لسنا نبالي أعاصيراً مدمرة


لسنا نبالي أعاصيراً مدمرة
للشيخ الشاعر
د. محمد صدقي بن أحمد البورنو الغزي

أنّاتُ جرْحى أنِينُ اليُتْمِ والثُكُلِ
فوْقَ السّفُوحِ وبَيْنَ الدُّورِ والسُّبُلِ
صرْخَاتُ غِيدٍ تَشُقّ السّمْعَ مُؤْلِمَةً
تبْكِي على الشّرَفِ المَهْدُورِ والمُثُلِ
في غَزّةَ الفَيْحا في كَفْرِ قاسِمَ أوْ
في خانِيُونُسَ تلْكَ البلْدَةِ البَطَلِ
لا يسْمَعُ العالَمُ المَخْدُوعُ أنّاتٍ
ولا الدُّمُوعَ كغَيثٍ ثَمّ منْهَمِلِ

فيديو القصيدة
ولا يرَى ذلكَ الوَحْشِيَّ يدْفَعُهُ
شوْقُ الدّماءِ إلى الإجْرامِ والزَّلَلِ
هنَاكَ يرْزَحُ قَوْمِي تحْتَ قاسِمَةٍ
للْظَهْرِ تفْنِيهِمُ صَمْتاً على مَهْلِ
ترى الدّمَاءَ تُغَطّي الأرْضَ نازِفَةً
منَ الضّحَايَا ترى الأشْلاءَ كالكُتَلِ
ترى العُيُونَ مِنَ الآلامِ زائِغَةً
تُنْبِي عَنِ الوَيْلِ عَنْ ذُلٍ و عَنْ ثُكُلِ
لمْ يتْرُكِ المُجْرِمُ الوَحشِيُّ مِنْ شَرَهٍ
ظُلْمَ الوَلِيدِ ولا ذِي الشّيْبِ والعِلَلِ
فذَاكَ طِفْلٌ دَعا والدّمْعُ منْهَمِرٌ
أُمّاهُ أُمّاهُ ضُمِّينِي مِنَ الوَجَلِ
يطْوِي الدّرُوبَ و لكِنْ ما مُجِيبَ لَهُ
إلّا رصَاصا مِنَ الوَحْشِيِّ كالوَبِلِ
وذَاكَ شَيْخٌ مضَى في العُمْرِ مُتَّئِدَاً
أرْدَاهُ سَهْمٌ لِوَحْشِيٍّ على عَجَلِ
و في الأَيَامَى أحَادِيثٌ مُمَزَّقَةٌ
كلٌّ تَئِنُّ ترَى منْ خطْبِها الجَلَلِ
قدِ اجْتَمَعْنَ وَ أَسْدَلْنَ الأسَى حُجُباً
عنِ المَواضِي بلا حِلْيٍ ولا حِلَلِ
كلٌّ تراها عنِ الزِّيناتِ معْرِضَةً
تبْكِي بدَمْعٍ يُرى كالصيّبِ الهَطِلِ
أمٌّ على إبِنٍ تبْكِيهِ في وَلَهٍ
وتِلْكَ زوْجاً وذِي تبكِي على بَطَلِ
أنّا تَلَفَّتُّ فالأَحْياءُ نادِبَةٌ
تنْعِي الرِّجالَ فمَا في الحَيِّ مِنْ رَجُلِ
فإنْ أرَدْتَ سُؤَالاً لا تَسَلْ فَهُنا
ذاكَ الدّلِيلُ على الآكامِ والسُّبُلِ
على السُّفُوحِ تَرى الأَشْلاءَ باقِيَةً
وفِي السُّجُونِ شَبابٌ طَيّحُ الأَمَلِ
ربّاهُ هذِي بِلادِى ما عَهِدْتُ بِهَا
هذا الخَرابُ و هذا الشُؤْمِ في الأُوَلِ
أمْ قَدْ ضَلَلْتُ طَرِيقِي في متَاهاتٍ
فيها الخَرابُ ويَأْسٌ عارِمُ الفَشَلِ
لا لمْ أضِلّ فهذا السَهْلُ أعْرِفُهُ
وتِلْكَ قِمَّةُ ذاكَ الشّامِخِ الجَبَلِ
لكِنّهُ حينَما حلّتْ بِهِ غِيَرٌ
قدْ خَرّ تحْتَ ظَلامٍ ألْيَلٍ عَبِلِ
أنّا اتّجَهْتُ أرَى في كُلِّ ناحِيَةٍ
رِجْسَ المُغِيرِ و يأْساً سَيِّئَ المَثَلِ
وزَادَنِي غُصَّةً تَطْهِيرُ تُرْعَتِنا
منَ العَوَالِقِ والأَلْغَامِ والدَّخَلِ
قدْ كُنْتُ آمَلُ أنْ لا يُبْتَدَى عَمَلٌ
على القَنَاةِ أرى جُنْدُ العِدَا قِبَلِي
ولا تُعادُ أنابِيبٌ لمَوْضِعِها
حتّى تُطَهَّر أوْطانِي منَ الهَمَلِ
لأَنَّ رُوحَ الأُلَى صَبّو جَحِيمَهُمُ
منَ القَناةِ و مِنْ بتْرُولِنا الوَبِلِ
في حيّ برْدَى فَمَا زالَتْ مُكَسّرَةً
تلْكَ الأَنَابِيبُ إلّا بعْدَ مُرْتَحِلِ
والآنَ قدْ بَدَأَ التّطْهِيرُ فَاتّضَحَتْ
سُبْلَ المَسِيرِ و بانَتْ قِمَّةُ الأَمَلِ
فكُلُّ ما حَوْلَنا قدْ كادَ يؤْنِسُنا
وكُلُّ برْقٍ تَرى سُرْعانَ ما يَزُلِ
لكِنْ أَنَرْضَى بِكَأْسِ الدّهْرِ مُتْرَعَةً
يأْساً ونَمْضِى بِعَيْشٍ طَيِّبٍ ذُلُلِ
لكِنْ و أَطْوِيَ كلَّ الدَّهْرِ مُكْتَئِباً
أدُبُّ في الكَوْنِ مقْرُوحَ الفُؤَادِ خَلِي
أُحَدِّثُ النَفْسَ قدْ ضَاعَتْ ولا أَمَلٌ
ففِيمَ أنْدُبُ أوْطانِي ومُؤْتَمَلِي
لا لنْ نكُونَ ولَنْ نحْنُو لَهُ أَبَدَاً
لنْ نَسْتَكِينَ لِيَأْسٍ ثَمّ أوْ فَشَلِ
مهْما ادْلَهَمّتْ خُطُوبُ الدَّهْرِ قاطِبَةً
ففِي الصّدُورِ قلُوبٌ مضْرَبُ المَثَلِ
قوْمِي تَعَالُوا إلى العَلْياءِ نطْرُقُهَا
طرْقَ الأَشِدّاءِ لا طَرْقَ الوَجِي الوَجِلِ
نحْنُ الأُلَى سَوْفَ نُحْيِيها دَوَارِسَنا
فبِالعَزَائِمِ والإيمَانِ إنْ نَصِلِ
إنّ المَذابِحَ والأشْلاءَ تدْفَعُنا
للثّأْرِ للْمَجْدِ للْعَلْياءِ للْعَمَلِ
أقْسَمْتُ باللّهِ رَبُّ القُدْسِ والحَرَمِ
ربُّ الضّحَايا ورَبُّ اليُتْمِ و الثُكُلِ
لابُدَّ يوْماً وأَنْ نَجْثُو بِتُرْبَتِهِ
و نلْثُمُ الأرْضَ فِي أيّامِنا الأُوَلِ
لكنْ قُبَيْلَ أمَانِينا و غايَتِنا
نارٌ منَ الهوْلِ لا تُبْقِي على رَجُلِ
فلْنَحْمِلِ النّفْسَ إنْ ضَنّتْ ونَدْفَعُها
نحْوَ الجَحِيمِ لنَيْلِ الحَقِّ بالأَسَلِ
لسْنا نُبالِي أعاصِيراً مُدَمّرَةً
فالطّفْلُ منّا يُحِبُّ المَوْتَ كالقُبَلِ
للمَجْدِ والحَقِّ والإسْلامِ قوْمَتُنا
فاللّهُ واعِدُنا نصْراً مِنَ الأَزَلِ

هذه القصيدة القيت في رابطة طلاب فلسطين في القاهرة عام 1957


القصيدة على بحر "البسيط".


للإطلاع على سيرة الشيخ الفاضل محمد صدقي بن أحمد بن محمد آل بورنو أبو الحارث الغزي
أنظر هنا: السيرة

0 comments:

Post a Comment

الأحدث

كن أحد المتابعين

Followers