كمْ عُمْرُك


كمْ عُمْرُك
أمين سرحان

سأَلَتْ تسْتَفْسِرُ عنْ عُمْرِي
تتَوَسَّمُ تِبْيانَ السّرِّ
فشَبابٌ يَغْلُبُ أشْعارِي
والشّيْبُ اسْتَفْحَلَ في شَعْرِي
قلتُ اخْتارِي ما المِعْيارُ
جَسَدٌ، قلْبٌ أوْ بالفِكْرِ؟
نظَرَتْ والدّهْشَةُ تغْمُرُها
رمَقَتْنِي تَعْجَبُ مِنْ أمْرِي

فيديو القصيدة

قالَتْ: فالعُمْرُ بأَعْوامٍ
وَ سِوَاهُ قِياساً لا أدْرِي
أ تَقِيسُ العُمْرَ بمِقْياسٍ
غيْرَ الأعْوامِ كما يَجْرِي؟
قلْتُ إنْ كانَ العُمْرُ الشّكْلَ
فالتّجْمِيلُ عُكّازُ العُمْرِ
الشّيْبُ يُخَضَّبُ باللَوْنِ
والصُّلْعُ لهُمْ زرْعُ الشّعْرِ
بالحَقْنِ تَجَاعِيدٌ تُخْفَى
ويُبَيَّضُ جِلْدٌ بالقَشْرِ
فيَبانُ الكَهْلُ فتِيّاً لَـ
كِنْ هلْ يُلْغِي دَوْرَ النَّخْرِ؟
قالَتْ كيْفَ التّصْنِيفُ إذاً
إنْ لمْ نَحْسِبْ أثَرَ الدَّهْرِ
قُلْتُ الأعْمارُ بأنْواعٍ
بعْضٌ بالقَلْبِ و بالفِكْرِ
والمُعْظَمُ أزْمانٌ تمْضِي
تُحْصى بالعامِ وبالشّهْرِ
لا تُجْدِي نفْعاً في شيْءٍ
منْ يوْمِ الحَمْلِ إلى القَبْرِ
قالَتْ مُتَحَمِّسَةً: هَيّا
خمّنْ بالقلْبِ إذاً عُمْرِي
قلْتُ قلْبُ المَرْءِ بِنَبْضاتِهْ
إذْ نَبْضُةُ حُزْنٍ بالدّهْرِ
قدْ تَجْعَلُ طِفْلاً كالكَهْلِ
منْهُوكاً مَكْسُورَ الظَهْرِ
نَبْضُ الأفْراحِ بثَانِيةٍ
يَمْضِي كالبَرْقِ ولا نَدْرِي
لوْ أذْكُرُ لحْظاتَ الفَرْحِ
أخْبَرْتُكِ تقْرِيباً عُمْرِي
فأُمُورُ القَلْبِ مُعَقّدَةٌ
والعُمْرُ خَفِيٌّ بالصَّدْرِ
قالَتْ هذا شأْنُ القَلْبِ
قلْ ماذا عنْ شأْنِ الفِكْرِ
هلْ يُفْرَزُ أيْضاً أصْنافاً
و يُحَدِّدُ مِقْدارَ العُمْرِ؟
قلْتُ الكُتّابُ لَهُمْ فَرْزٌ
بعْضٌ غثٌّ، بعْضٌ يُثْرِي
وكذا العُلَماءُ قدِ افْتَرَقُوا
ما بيْنَ الشّرّ أوِ الخيْرِ
فقِياسُ العُمْرِ يُحَدّدُهُ
نفْعٌ أوْ منْعٌ للضُّرِّ
فلِذلِكَ تقْدِيرُ العُمْرِ
متْرُوكٌ في يدِّ العَصْرِ
قالَتْ أيْ تُخْفِي العُمْرَ إذاً
تتَفَنّنُ في عَدَمِ الجَهْرِ
مالِي بالنّبْضِ و بالفِكْرِ
ميلادُكَ دُوِّنَ بالحِبْرِ
أنظُرْ في خانَةِ مَوْلُودٍ
بالمِيلادِي أوْ بالهِجْرِي
ولْتحْسِبْ كمْ حوْلاً وَلّى
كيْ تعْرِفَ مِقْدارَ العُمْرِ
قلْتُ الأرْقامُ مُجَرَّدَةٌ
إنْ كانَتْ طُولِي أوْ عُمْرِي
أمّا التَرْقِيمُ فَقانُونٌ
تنْظِيمٌ صِحّيٌّ جَبْرِي
دَعْ عنْكِ حِسابَ الأرْقامِ
لا يصْلُحُ في أمْرِ العُمْرِ
فالعُمْرُ قَناعَةُ أذْهانٍ
إنْ لمْ تفْتِرْ هِمَمُ السّيْرِ
لنْ تفْتِكَ رِيحٌ بالمَرْءِ
إنْ أبْدَعَ في فنِّ الصَبْرِ
إنْ شِئْنا نبْقَى شُبّاناً
أوْ شِئْنا نجْهَزُ للكَسْرِ
سكَتَتْ والبَسْمَةُ تَغْمُرُها
بهَتَتْها فلْسَفَةُ العُمْرِ
قالَتْ أثْقَلْتُ بأَسْئِلَتِي
فاعْذُرْنِي لمْ ألْجُمْ ثغْرِي
إذْ إنّ فُضُولِي حرّضَنِي
فسَعَيْتُ لمعْرِفَةِ السِّرّ
إنّي بالشّعْرِ لَمُعْجَبَةٌ
وبُرُوعِكَ في نَظْمِ الشِّعْرِ
وحَكِيمٌ ما شَاءَ اللّهُ
قُطْبٌ مدْعاةٌ للفَخْرِ
طبَعَتْ بجَبِينِي قُبْلَتَها
منْ ثغْرٍ يَطْفَحُ بالبِشْرِ
وضَحِكْنا مِلْءَ الأشْداقِ
ما أحْلى اللحْظَةَ كالسِّحْرِ
ودَعَتْنِي نلْتَقُمُ الحَلْوى
في مَقْهىً وَرْدِيٍّ زَهْرِي
فأَضَعْتُ بذلِكَ فلْسِفَتِي
ونَسِيْتُ دوَاوِينَ الشِعْرِ

10- 2- 2023


القصيدة على بحر "المتدارك".

0 comments:

Post a Comment

الأحدث

كن أحد المتابعين

Followers