أوراقُ الزمنِ المتساقطة


أوراقُ الزمنِ المتساقطة
أمين سرحان
يمْضِي بِيَ الزّمَنُ الغَرُورُ مُقَنّعا
وأكادُ لا أدْري أمَرَّ وَوَدّعا؟
(الغَرُور: الخادعُ الذي يَغُر)
فتّشْتُ فِي أوْراقِهِ المُتَساقِطَةْ
علِّي أرى فيها جوَاباً مُقْنِعا
فقُدُومُهُ مِنْ دُونِ عِلْمٍ مُسْبَقٍ
يأْتِي فيُخْرِجُكَ الدُّنا مُسْتَطْلِعا
الكُلُّ يُخْرَجُ مُرْغَماً لمَصِيرِهِ
أرَأَيْتَ مَوْلُوداً أبَى وتَمَنَّعا

فيديو القصيدة

الكُلُّ يُسْحَبُ مِنْ ذُؤابَةِ أنْفِهِ
يُلْقَى بأَقْبِيَةِ الحَياةِ مُطَمَّعا
(ذؤابة: طرف وذؤابة الأنف: رأس الأنف)
يأْتِي بِكَ الزَمَنُ المُخادِعُ مُرْغَماً
يَرْمِيكَ تنْهَجُ في الحَياةِ مُقارِعا
(ينهج: يلهثُ، مقارع: محارب، مصارع)
فتَراكَ تسْعَى كيْ تُحَقّقَ مأْرَباً
لكِنَّهُ ماضٍ أغَذَّ مُسارِعا
يا أيّها الزمَنُ الذي غافَلْتَنِي
واللّهِ أُقْسِمُ أنْ لَمَحْتُكَ خادِعا
أحْتارُ في معْنَى الحَياةِ وكُنْهِها
زمَنٌ يَمُرُّ أمامَ عيْنِيَ مُسْرِعا
أتَفَحّصُ الخُطُواتِ أيْنَ أسِيرُها
عَلِّي أرَى سَبَباً لدَوْرِيَ مُقْنِعا
أسْتَذْكِرُ التارِيخَ طُولَ سنِينِهِ
فعَلى رُفاتِ الناسِ غَيْرُهُمُ سَعَى
أأكون يوماً ذرّةً مِنْ ذا الثَرى
يمْشِي عَلَيْها مارِقٌ مُتَسَكِّعا؟
وأرى السّماءَ تَسُودُها دَيْمُومَةٌ
أمَصِيرُها كَمَصِيرِنا لنْ يُمْنَعا
يتَسَلّلُ اليأْسُ المُخِيفُ لِداخِلِي
أهُناكَ مَغْزىً للحَياةِ لأقْنعا
و أجُولُ في ذِهْنِي بأَسْئِلَةٍ عَصَتْ
عنْ فهْمِ أمْثالِي دُهُوراً أرْبَعا
(يقال الدهر ألف سنة ويقال مائة ألف ويقال مليار)
أأكُونُ سَطْراً أوْ مُجَرّدَ أحْرُفٍ
خُطّتْ على ورقٍ بلَى و تَقَطّعا؟
أأكُونُ طَيْفًا يخْتَفِي عِنْدَ الضُّحَى
مُتَسَرْبِلاً أكْفانَهُ مُتَشَيّعا؟
(متسربلاً: لابساً، متَشَيّع: أي مشيع إلى القبر)
أمْ أنّنِي أصْداءُ رُُوحٍ هائمٍ
رجْعٌ بأَرْوِقَةِ الزّمانِ تَقَطّعا
أوْ أنّنِي أنْغامُ نايٍ خافِتٍ
يمْضِي بأَجْنِحَةِ الرياحِ مُضَيّعا
لا بُدّ أَنّا نكتةٌ أو مزْحَةٌ
يلْهُو بها الزّمَنُ السّمِيجُ تَمَتُّعا
إنّا مُجَرّدُ نُقْطَةٍ مكْتُوبَةٍ
بقَصائِدِ الزمَنِ اسْتَحَلّتْ مَوْقِعا
كُتِبَتْ بلا حِبْرٍ ولا ورَقٍ يُرى
يَمْحي سِماها الدّهْرُ مَحْياً مُدْقِعا
(مُدْقِع: شديد)
إنَّا شَوائِبُ ذَرّةٍ منْثُورُها
في الكَوْنِ ما بيْنَ الرّمادِ تَوَزَّعا
كُلٌّ إلى عَدَمٍ يَؤُوبُ بِدَوْرِهِ
حتّى النجُومُ مآلُها أنْ تُبْلَعا
(الثقوب السوداء تمتص النجوم وتبلعها)
كلٌّ سيُنْسَى مِثْلُ حالِ جُدُودِنا
أتُراكَ تذْكُرُ جَدَّ جَدِّكَ مُذْ وَعَى؟
أهُناكَ مَغْزىً للْوجُودِ أصُوغُهُ
علّي أرى ما في الحَياةِ مُشَجّعا؟

23/6/2024

القصيدة على بحر "بحر الكامل".

9 comments:

Anonymous said...

لا فض فوك
قصيدة جميلة فلسفية المعاني محلقة الصورة
د. سلطان الحريري

Anonymous said...

قصيدة قوية جدا فيها انكار(اعتراض ) على الوجود
نعيم العجو

Anonymous said...

قصيدة رائعة نحويا وعميقة المعاني ونادرة في صورها البيانية وتشبه في توجهها العام قصيدة مرآتي ولكن انا شخصيا احب ان ترسل لنا قصائدك المفعمة بجمال الحياة وسعادتها علنا ننسى اننا في نهاية العمر ولك ولجميع الاخوة الاعزاء تحياتي.
نوفل زعيتر

Anonymous said...

Amazing .
ما شاء الله بس اللغه لحالها والتمعن بالكلمات شىء معجز . كتير بفكر كيف بتعمل الصوت والإلقاء بهذه الدقه وايضا الشعر سبحان الله . جميل .
أميرة عماوي

Anonymous said...

هذه القصيده اربكتني وحيرتني واتعبتني ولعبت بعواطفي ووجداني ، تطفو بي. الى السطح وتغوص بي في الاعماق ، ثم تحلق بي في الآفاق ، أسكن هنيهة وأهيج زمنا . لله درك ، هذه القصيدة تطير بك الى سماء لم يبلغها شاعر ، كفو يا باسمهندس!!!!!!!!!!!!
محمد أحمد صالحة

Anonymous said...

روعة الحوار مع النفس بمصارحة وكأنها تصفية حسابات .... نعم لا توجد يد اخف من يد الزمن وهو يسرق مننا العمر .... فقد نمنح سنوات عديدة بكل رضى وكأننا خلقنا لنمنح عمرنا ، وتسرق أخرى دون دراية مننا ....
القصيدة غاية في الروعة كل شطر فيه فكرة تأملية تم صياغتها بكلمات مبجلة بديعة..
زهور محمود

Anonymous said...

إبداع مابعده إبداع أمين بك شاعرنا المُبدع القدير
حسين لطفي

Anonymous said...

حفظكم الله بالصحة والعافية ،وتمنياتى لكم طول العمر وحسن العمل ويسعدكم الله كما اسعدتنا ،خالص تحياتى
د. حمدي أحمد

Anonymous said...

ما شاء الله لا قوة الا بالله
قصيدة رائعة يا أبا حسام، كلماتها قوية وأسلوبها عصي ..
سعيد باوزير
دمت مبدعاً

Post a Comment

الأحدث

كن أحد المتابعين

Followers