الشواطئ والبشر


الشواطئ والبشر
أمين سرحان

في الصّيْفِ تَمْتَلِئُ الشّوَاطِئُ بالبَشَرْ
فتَرى الرؤُوسَ بدَتْ على مدّ البَصَرْ
و تَكادُ لا تَجِدُ المَكانَ لتَحْتَمِي
منْ شَمْسِ صَيْفٍ قائِظٍ مهْما صَغُرْ
و إذا عددْتَ السابحينَ فقِلّةٌ
فلذا ترى المتفرّجينَ هُمُ الكُثُرْ
تحْتَ الشّماسِي بعْضُهُمْ مُتَناوِمٌ
بعْضٌ تَمَوْضَعَ كيْ يُراقِبَ منْ حَضَرْ
و على المناشِفِ نِسْوةٌ ببدانةٍ
قدْ لا تُرى في النّاسِ إلّا ما نَدَرْ

فيديو القصيدة

بعْضٌ يَمُدّ على الرِمالِ شُحُومَهُ
علَّ الرّمالَ تُذِيبُ شحْماً يُخْتَصَرْ
بعْضُ الرجالِ يغُطُّ فوْقَ حصيرةٍ
و هُناكَ منْ تلْقاهُ في الرَّمْلِ انْطَمَرْ
و هُناكَ عائِلةٌ تصايَحَ نسْلُها
و تناطَحَ الصبْيانُ لا أحَدَ انْتَصَرْ
و هُنا عَجُوزٌ قدْ تغَضّنَ جِلْدُها
عَرِيَتْ تُمنّي نفْسها عَوْدَ الصِّغَرْ
و هُناكَ منْ فَرَشَ الرّمالَ مُباهِياً
بتفاخُرٍ جَسَداً تعضّلَ كالْحَجَرْ
و هُناكَ منْ وضعوا الزيوتَ و همُّهُمْ
تسْميرُ لوْنِ جُلُودِهِمْ مِثْلَ الصُّوَرْ
و ترى فتاةً حُلْوَةً تتَبَخْترُ
و تَظُنُّ أنّ جمالها غَلَبَ الأُخَرْ
(أُخَرْ: جمع أُخْرَى)
و على مسافةِ أذْرعٍ أمٌ لهتْ
عنْ طفْلِها فعَلا زَعيقاً و انْفَجَرْ
و رَضِيعُ أُخْرى بالبُكاءِ يُنَغّمُ
و كأَنْ هَدِيرَ الموْجِ أوْرَثَهُ الْخَدَرْ
وتَرى شباباً يافعاً يتغامزُ
لمّا رأوا الفَتَياتِ يلْعَبْنَ الكُوَرْ
و تَرى صبيّاً جاءَ يُمْسكُ مِعْولاً
يبْني القِلاعَ منَ الرِّمالِ و يَفْتَخِرْ
و قرينهُ يغْزو القِلاعَ مُهَدِّماً
ما قدْ بَناهُ أخُوهُ في لمْحِ البَصَرْ
في القرْبِ طائِرَةٌ هَوَتْ ورَقيّةٌ
و خيوطها بيد الصبيّ المُنْكسِرْ
و على المدى طفْلٌ يلاحِقُ قِطَّةَ
و تصيحُ بنْتٌ خلْفَهُ: حاذِرْ خَطَرْ
و هُناكَ منْ حضَنَتْ فتاها خِلْسَةً
رغْمَ الحرارَةِ و اللهِيبِ المُسْتَعِرْ
و على الرّمالِ ترى الحوَائِجَ أُلْقيَتْ
و على الطّعامِ ترى الذُبابَ قدِ انْتَشَرْ
و تَرى الشّبابَ تسابَقوا وتَدافَعوا
نحْوَ المياهِ بلا احْتِراسٍ أوْ حَذَرْ
في البعْد شابٌّ مُقْبلٌ يتَرَنّحُ
يعْلو الصُخُورَ كأنّهُ قدْ ينْتَحِرْ
فترى العُيونَ هُناكَ تشْخَصُ نَحْوَه
أ تُرى سيرْمي نفْسَهُ أمْ ينْتَظِرْ
أذُناكَ تَسْمَعُ دَبَّ لحْنٍ صاخِبٍ
و كأنّهُ في باطِنِ الأرْضِ انْحَشَرْ
عيْناكَ تَرْقُبُ سابِحاً مُسْتَعْرِضاً
قُدُراتِهِ بصِراعِهِ مَوْجاً خَطِرْ
و منَ المِياهِ تَقَدّمَتْ حُورِيّةٌ
و الماءُ يقْطرُ منْ ثناياها دُررْ
سبْحانِ منْ مَشَقَ القَوامَ قوَامَها
خرَجَتْ منَ الماءِ اللآلِئُ بالصُّرَرْ
و على الرمالِ خطتْ هنا برشاقةٍ
كلُّ العُيونِ هُناكَ ترْمُقُها نَظَرْ
فتَباطَأَتْ خُطُوَاتُها وتَبَسّمَتْ
لمّا رأَتْ أفْواهَ جَمْعٍ تنْفَغِرْ
في كُلّ شبْرٍ قِصّةٌ و حِكايَةٌ
فتَعالَ مُصْطافاً و أمْعِنْ في النَّظَرْ
سترى العجائِبَ و الغرائِبَ جُمْلَةً
وفي الطبيعَةِ كمْ يعيثُ بنو البشرْ
فقدتْ شواطِئُنا شذا عُذْريّةٍ
و كذا الرِّمالُ تملْمَلَتْ و كذا الحَجَرْ
حتّى وإنْ زُرْتَ الشواطئَ لاحِقاً
ستَرى الشّواطِئَ بَعْدُ تزْخَرُ بالصّورْ

12- 9- 2023


القصيدة على بحر "الكامل".

0 comments:

Post a Comment

الأحدث

كن أحد المتابعين

Followers